البيان الختامي
للمؤتمر الوطني الثالث لمناهضة التمييز الديني
"الإعلام والمواطنة"
29 مايو 2010
انعقد المؤتمر الوطني الثالث لمناهضة التمييز الديني تحت عنوان "الإعلام والمواطنة" بالمقر الرئيسي لحزب الجبهة الديمقراطية بالقاهرة طوال يوم السبت الموافق 29 مايو 2010 لمناقشة الدور الذي يلعبه الإعلام المصري سواء المملوك للدولة أو للقطاع الخاص في إشاعة التمييز الديني والفرز الطائفي، أو في التصدي لمخاطر الطائفية والكراهية الدينية ونشر قيم المواطنة، عبر الصحافة الورقية، وعبر القنوات التليفزيونية الأرضية والفضائية، وعبر الصحافة الإليكترونية والمدونات ومواقع الإنترنت. وقد شارك في المؤتمر نخبة من الإعلاميين المتخصصين والمفكرين والمثقفين والكتاب، والسياسيين الذين يؤمنون بالمساواة وبحرية الاعتقاد لكل المصريين، إضافة إلى حضور كثيف للجمهور، حيث تبادلوا الرأي حول هذه المسألة مستشعرين ما لها من خطورة بالغة على المجتمع المصري في سعيه للتقدم والديمقراطية الذي لا ينفصل عن النضال من أجل بناء دولة وطنية حديثة تقوم على مبادئ المساواة وسيادة القانون.
باستعراض الأوراق والمناقشات الحية التي دارت في المؤتمر حول المسألة الطائفية في الإعلام، تركزت النتائج المستخلصة من المؤتمر في التالي:
· أنه رغم القيود التي تفرضها الدولة على مشاركة الناس في الحياة العامة عبر الأحزاب والنقابات والجمعيات وغيرها، حدثت تطورات إيجابية في منظومة الإعلام المصري شملت إنشاء عدد من القنوات التليفزيونية الفضائية الخاصة، وإصدار عدد من الصحف الخاصة، واتساع هامش الحرية والاستقلالية في التغطية الإعلامية، وهو الأمر الذي يضاعف دور وسائل الإعلام، وبالتالي مسئوليتها إزاء المجتمع.
· أن وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة، تلعب دوراً بارزاً في تكوين أفكار المواطنين حول ما يشكّل سلوكاً مقبولاً اجتماعيا، إلا أن هذا الدور غير مستغل بشكل كامل في تعزيز قيم التسامح والمشاركة المجتمعية والتعايش السلمي بين كل أطياف المجتمع، كما أن كثيرا من العاملين في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة ما زالوا يفتقرون إلى احترام القواعد المهنية السليمة، والأداء المهني الاحترافي فيما يتعلق بتناول العلاقة بين المختلفين دينيا وطائفيا في المجتمع.
· أنه رغم الجهود المخلصة لبعض الإعلاميين والصحفيين في مواجهة التعصب الديني والطائفية في مصر إلا أن الإعلام مهموم بشكل عام بالهوية الدينية لموضوعاته وأشخاصه، وبالتالي يبرز نفسه باعتباره إعلاما طائفيا وليس باعتباره إعلاما مصريا، ومن هنا فإن التغطية الإعلامية للأحداث الطائفية في مصر تبرز كتغطية إعلامية منحازة طائفيا. ويلاحظ في هذا الصدد أن أجهزة الإعلام المصرية – المسموعة والمرئية والمقروءة – قد دأبت على تغطية الأحداث الطائفية بشكل يفتقر عادة إلى احترام القواعد المهنية الأمينة.
· أن وسائل الإعلام الحكومية تردد بشكل تلقائي وجهة نظر الحكومة من عدم وجود طائفية أو تمييز ديني في المجتمع المصري، وأن الأحداث التي تقع ما هي إلا أحداثا فردية تفسر خطأ على أنها طائفية، بينما هي ليست كذلك، وفي سبيل هذا يتم التغاضي عن نشر بعض الأحداث أو تلوين غيرها لكي يتم محو كل ما هو طائفي وتصويره على أنه ليس كذلك، أو اتهام "أيد خفية" بأنها وراء الحرائق، متجاهلة الدور الذي تلعبه جماعات الإسلام السياسي والجماعات السلفية في نشر الكراهية الدينية مدعومة من بعض المؤسسات الدينية الرسمية ووسائل الإعلام الرسمية، أي أن سياسات ومواقف النظام هي المسئول الأول عن وجود التمييز الديني والفرز الطائفي.
· يتبنى عدد من المجلات والصحف والقنوات الفضائية والمواقع الإسلامية على الإنترنت خطابا يتسم بالتمييز ضد غير المسلمين عامة، والمسيحيين خاصة، يتمثل في الطعن في عقيدتهم وعدم الاعتراف بمواطنتهم الكاملة وكذلك نسبة العديد من الاتهامات والادعاءات لهم ولرموزهم المقدسة. كما تتبنى بعض القنوات الفضائية والمواقع المسيحية على الإنترنت خطابا شبيها يسيء إلى المسلمين من خلال الإساءة إلى النبي محمد، أو الطعن في عقيدتهم، وفي القرآن، وأن الإسلام شر ودماء وشهوة، ويصف
المسلمين في مصر بأنهم "أحفاد الغزاة والمستعمرين العرب" ويتهمهم بشن "حرب إبادة" و"تمييز عنصري" ضد سكان مصر الأصليين من الأقباط، ويطالب بطرد هؤلاء الغزاة وتطهير البلاد من استعمارهم، واستخدم بعض هذه المواقع والقنوات الإعلامية عبارات تجاوزت كل الحدود المقبولة في القدح والإساءة.
· إن هذه الخطابات الدينية المتطرفة لا تعبر عن التيار الرئيسي للمسلمين والمسيحيين، فغالبية المصريين - من المسلمين والمسيحيين على السواء - ترفض هذا الخطاب المتعصب، إلا أن المشكلة الرئيسية تكمن في غياب مناخ وآليات مؤسسية تساعد في إبراز موقف هذه الأغلبية على الجانبين إعلاميا، وتمكنها من تنظيم صفوفها وتشكيل جبهة موحدة قادرة على التصدي للشحن الطائفي، ومن المؤسف أن التغطية الإعلامية السائدة تبرز هذه الأغلبية على الجانبين وكأنها مستسلمة لآلة الفرز والشحن الطائفيين الأعلى صوتا في إعلام المتطرفين. في ظل هذا الوضع يعتبر التصدي للخطاب الطائفي المتعصب شرطا جوهريا لحرمانه من التحدث باسم المصريين بعد تقسيمهم إلى طوائف عنوة واقتدارا.
· نظرا لأن نظام الحكم في مصر أضعف الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني لأنها تمثل تهديدا لاحتكاره للسلطة، فقد اضطر للجوء إلى المؤسسات الدينية الرسمية وشبه الرسمية ومنحها ضوءاً أخضر للقيام بدور مواز لنفوذ وتأثير الجماعات الدينية المتطرفة، ولأنه لم يكن في جعبة هذه المؤسسات سوى اللجوء بدورها لأسلوب المزايدة، لإثبات أنها ليست أقل حرصا على احترام الشريعة الإسلامية أو على مصالح الأقباط، فقد كان من الطبيعي ألا يؤدى ذلك إلا إلى إشاعة مناخ حاضن للتطرف انعكس على السجال الديني في الفضائيات والمدونات والمواقع وغرف الدردشة على الإنترنت
.
· أن الشرط الرئيسي لوجود إعلام مسئول هو وجود أسس راسخة للدولة المدنية والتي تعني حياد الدولة ومؤسساتها تجاه كل الأديان والعقائد فهي الضمانة الوحيدة للتعددية ولكفالة حرية الاعتقاد للجميع ولا يكون هناك دعم أو تمييز لدين ما على حساب المعتقدات الأخرى.
التوصيات:
1- إنشاء مجلس قومي مستقل للإعلام المرئي والمسموع غير خاضع لأي سيطرة أو تدخل حكومي يتولى مراقبة احترام وسائل الإعلام المصرية لحرية التعبير، والتأكد من أنها لا تمارس الدعوة إلى الكراهية والتمييز على أساس الدين أو اللون أو العنصر أو الجنس أو على أي أساس آخر، ويعمل طبقا لمدونة مبادئ مهنية تجرم التمييز بكافة أشكاله، ويديره مجلس أمناء من الشخصيات العامة المعروفة باستقلاليتها.
2-
إقامة مرصد مدني يتولى رصد الخطابات الطائفية وانتهاكات مبدأ المواطنة في الإعلام والثقافة والفن وغيرها من أشكال الخطاب العام، كما يتولى إجراء دراسات وأبحاث بشأن المواطنة فيما يتعلق بالوعي العام وجذور التمييز الديني والخطابات الطائفية وطبيعتها ومقولاتها الأساسية، بما يتيح وضع أسس فكرية ومنهجية عميقة لخطاب المواطنة، ومخاطبة المواطنين والسلطات العامة وفقا لنتائجها.
3- ضرورة قيام وسائل الإعلام بإعلاء مبدأ المواطنة بما يحمله هذا المبدأ من معاني عميقة تقوم على تأكيد المشاركة والمساواة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات، ومن ثم جعل قيمة المواطنة أرضية صلبة وخلفية قوية لا غنى عنها في المعالجة الصحفية/ الإعلامية للأحداث المختلفة.
4- التأكد من احترام المعتقدات الدينية وعدم الإساءة إليها أو تناولها بالتجريح، ذلك أن كل إنسان إنما يؤمن بمعتقده الديني إيماناً مطلقاً ويرفض المساس به أو تناوله بالنقد الجارح، مما يتطلب الالتزام بالقيم التي تحافظ على وحدة المجتمع المصري بكل تنوعه وتناغمه وعلى رأسها قيمة المواطنة.
5-
ضرورة التزام وسائل الإعلام سواء المملوكة للدولة أو للقطاع الخاص والتي تتناول الشئون الدينية أو الأحداث طائفية بالأصول المهنية في صياغة وتحرير الأخبار والتقارير وفقا للقواعد المهنية السليمة من حيث دقة وتوثيق المعلومات، ونسبة الأقوال والأفعال إلى مصادر معلومة كلما كان ذلك متاحا وممكنا.
6- أن تعمل المؤسسات الإعلامية على إصدار مدونة سلوك تحكم العمل الإعلامي فيما يتعلق بتغطية الشئون الدينية والأحداث ذات الطابع الطائفي.
7- الاهتمام بإعداد وتنظيم دورات تدريبية تثقيفية للصحفيين وللإعلاميين من مختلف المؤسسات، على "صحافة المواطنة" وهي صحافة تُعالج الموضوعات والقضايا المختلفة التي يعيشها المجتمع، انطلاقاً من منظور يُعزز ويُعلى من شأن المواطنة، ويرفض الطائفية والتفكيك والتجزيء ويؤكد معاني الاندماج والتكامل الوطني والتعايش السلمي المشترك، بالإضافة إلى تضمين مبادئ قيمة المواطنة في الدراسات والمناهج التي تُقدم للدارسين في كليات وأقسام الإعلام بالجامعات المصرية، حتى يخرج الإعلاميين وهم على وعي بمبادئ المواطنة.
8- أن يتسم الإعلام المقروء والمرئي والمسموع المملوك للدولة بالتوازن وعدم الانحياز عند تناول القضايا الدينية، أو الأحداث طائفية، وضمان حق الرد لممثلي المؤسسات الدينية لتصحيح ما يرد في الإعلام بشأن معتقداتهم أو مناسكهم أو رموزهم، وأن يتم الفصل بشكل واضح وصريح بين الرأي والخبر، وهو ما يعد من القواعد الرئيسية في مهنة الصحافة والإعلام.
9- تفعيل المبادئ الواردة في ميثاق الشرف الصحفي الذي وافق عليه المجلس الأعلى للصحافة والصادر بتاريخ 26/3/1998 وينص في المادة الثانية من باب التزامات الصحفي على "الالتزام بعدم الانحياز في كتاباته إلى الدعوات العنصرية أو المتعصبة أو المنطوية على امتهان الأديان أو الدعوة إلى كراهيتها، أو الطعن في إيمان الآخرين، أو تلك الداعية إلى التمييز أو الاحتقار لأي من طوائف المجتمع"، وأن يتأكد المجلس الأعلى للصحافة من تطبيق المادة (20) من قانون تنظيم الصحافة لسنة 1996 التي تتضمن نفس النص السابق.
E-mail: ded_altamyez@yahoo.com
Mailing Group: http://groups.yahoo.com/group/
Web Site: http://www.maredgroup.org/